الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ }

يقول تعالى مرشداً للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين: { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصداً بالسيوف، { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } أي أهلكتموهم قتلاً، { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } الأسارى الذين تأسرونهم، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجاناً، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم، والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذٍ ليأخذوا منهم الفداء فقال:مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [الأنفال: 67]، ثم قد ادعى بعض العلماء أن الآية منسوخة بقوله تعالى:فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] الآية، روي عن ابن عباس والضحاك والسدي. وقال الأكثرون: ليست بمنسوخة، والإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته، وله أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم (النضر بن الحارث) و(عقبة بن أبي معيط) من أسارى بدر، وقال الشافعي رحمه الله: الإمام مخيَّر بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه، وقوله عزَّ وجلَّ: { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } قال مجاهد: حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال " وهذا يقوي القول بعدم النسخ، كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب، وقال قتادة { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } حتى لا يبقى شرك، وهذا كقوله تعالى:وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } [البقرة: 193] ثم قال بعضهم: حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عزَّ وجلَّ، وقيل: أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى، وقوله عزّ وجل: { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } أي هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء، ليختبركم ويبلو أخباركم، كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في قوله تعالى:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142].

وقال تعالى:قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [التوبة: 14]، ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال: { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه، كما ورد بذلك الحديث عن المقدام بن معد يكرب الكِنْدي رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2