الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ }

يقول تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } يعني المشركين بالله المكذبين لرسوله { فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } أي عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم أي ونجَّى المؤمنين من بين أظهرهم، ولهذا قال تعالى: { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } ثم قال: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } ، ولهذا " لما قال أبو سفيان رئيس المشركين يوم أُحُد: اعلُ هُبَل، اعلُ هُبَل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تجيبوه؟ " فقالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال صلى الله عليه وسلم قولوا: " الله أعلى وأجل " ، ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال صلى الله عليه وسلم: " ألا تجيبوه؟ " ، قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم " ، ثم قال سبحانه وتعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي يوم القيامة { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } أي في دنياهم يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام، خضماً وقضماً ليس لهم همة إلاّ في ذلك، ولهذا ثبت في الصحيح: " المؤمن يأكل في مِعَى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " ، ثم قال تعالى: { وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي يوم جزائهم، وقوله عزّ وجلّ: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } يعني مكة { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة، في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل وخاتم الأنبياء، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ قد أهلك الذين كذبوا الرسل قبله، فما ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأُخرى؟ وقوله تعالى: { مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } أي الذين أخرجوك من بين أظهرهم، روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار وأتاه، فالتفت إلى مكة، وقال: " أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إليّ، ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك " فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذُحول الجاهلية، فأنزل الله تعالى على نبيَّه صلى الله عليه وسلم: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ }.