الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }

يقول تعالى مسلياً لنبيّه صلى الله عليه وسلم، في تكذيب من كذبه من قومه { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } وهو (هود) عليه الصلاة والسلام. بعثه الله عزَّ وجلَّ إلى عاد الأولى، وكانوا يسكنون الأحقاف، جمع حِقْف، وهو الجبل من الرمل وقال عكرمة: الأحقاف: الجبل والغار، وقال قتادة ذكر لنا أن عاداً كانوا حياً باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشِّحْر، وقوله تعالى: { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } ، يعني وقد أرسل الله تعالى إلى من حول بلادهم في القرى مرسلين ومنذرين، كقوله عزّ وجلّ:فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } [فصلت: 13-14] { إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي قال لهم هود ذلك فأجابه قومه قائلين { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا }؟ أي لتصدنا عن آلهتنا، { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } استعجلوا عذاب الله وعقوبته، استبعاداً منهم وقوعه، كقوله جلَّت عظمته:يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 18]، { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } أي الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فسيفعل ذلك بكم، وأما أنا فمن شأني أن أبلغكم ما أرسلت به { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } أي لا تعقلون ولا تفهمون، قال الله تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } أي لما رأوا العذاب مستقبلهم، اعتقدوا أنه عارض ممطر ففرحوا واستبشروا به، وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، قال الله تعالى: { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي هو العذاب الذي قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، { تُدَمِّرُ } أي تخرب { كُلَّ شَيْءٍ } من بلادهم مما من شأنه الخراب، { بِأَمْرِ رَبِّهَا } أي بإذن الله لها في ذلك، كقوله سبحانه وتعالى:مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [الذاريات: 42] أي كالشيء البالي، ولهذا قال عزّ وجلّ: { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } أي قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية، { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي هذا حكمنا فيمن كذَّب رسلنا وخالف أمرنا.

يروى أن عاداً قحطوا فبعثوا وفداً يقال له (قيل) فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان، يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود، فنودي منها اختر، فأومأ إلى سحابة سوداء، فنودي منها خذها رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، فما أرسل عليهم من الريح إلاّ قدر ما يجري في الخاتم حتى هلكوا، قال أبو وائل: وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم، قالوا: لا تكن كوافد عاد، وروى الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

السابقالتالي
2