الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } * { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ }

يقول تعالى ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وهم قبط مصر، { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } يعني موسى الكليم عليه الصلاة والسلام { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } ، كقوله عزّ وجل:فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } [طه: 47] الآية، وقوله جلّ وعلا: { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي مأمون على ما أبلغكموه، وقوله تعالى: { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } أي لا تستكبروا عن اتباع آياته والانقياد لحججه والإيمان ببراهينه، كقوله عزّ وجلّ:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60]، { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بحجة ظاهرة واضحة وهي ما أرسله الله تعالى به من الآيات البينات والأدلة القاطعات، { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } قال ابن عباس: هو الرجم باللسان وهو الشتم، وقال قتادة: الرجم بالحجارة أي أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم من أن تصلوا إلي بسوء من قولٍ أو فعل، { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } أي فلا تتعرضوا لي ودعوا الأمر مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا، فلما طال مقامه صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وأقام حجج الله تعالى عليهم، كل ذلك وما زادهم إلاّ كفراً وعناداً، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم، كما قال تبارك وتعالى:وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا } [يونس: 88-89]، وهكذا قال هٰهنا { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم، من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه، ولهذا قال جلّ جلاله: { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } ، كما قال تعالى:وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [طه: 77]، وقوله عزّ وجلّ: { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } ، وذلك أن موسى عليه الصلاة السلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ليصير حائلاً بينهم وبين فرعون، فلا يصل إليهم، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكناً، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه، وأنه لا يخاف دركاً ولا يخشى، قال ابن عباس: { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } كهيئته وامضه، وقال مجاهد { رَهْواً } طريقاً يبساً كهيئته، يقول لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم، ثم قال تعالى: { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ } وهي البساتين { وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ } والمراد بها الأنهار والآبار { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } وهي المساكن الحسنة، { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } أي عيشة كانوا يتفكهون فيها، فيأكلون ما شاءوا ويلبسون ما أحبوا، مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا، وصاروا إلى جهنم وبئس المصير واستولى على البلاد المصرية والممالك القبطية بنو إسرائيل، كما قال تبارك وتعالى:

السابقالتالي
2 3