الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ }

يقول تعالى: هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي فإنها كائنة لا محالة وواقعة، وهؤلاء غافلون عنها، فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها، فحينئذٍ يندمون كل الندم حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم، وقوله تعالى: { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي كل صداقة وصحابة لغير الله، فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عزّ وجلّ، فإنه دائم بدوامه، وهذا كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه:إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [العنكبوت: 25] قال ابن عباس ومجاهد: صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين. وروى الحافظ ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن رجلين تحابا في الله أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب لجمع الله تعالى بينهما يوم القيامة، يقول هذا الذي أحببته فيَّ " وقوله تبارك وتعالى: { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } ثم بشرهم فقال: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } أي آمنت قلوبهم وبواطنهم، وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم، قال المعتمر بن سليمان عن أبيه: إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع فينادي منادٍ { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } فيرجوها الناس كلهم، قال: فيتبعها: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } قال: فييأس الناس منها غير المؤمنين { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } أي يقال لهم: ادخلوا الجنة { أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } أي نظراؤكم { تُحْبَرُونَ } أي تتنعمون وتسعدون، وقد تقدم تفسيرها في سورة الروم. { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ } أي زبادي آنية الطعام { وَأَكْوَابٍ } وهي آنية الشراب أي من ذهب لا خراطيم لها ولا عرى { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } ، وقرأ بعضهم تشتهي الأنفس: { وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } أي طيب الطعم والريح وحسن المنظر، روى عبد الرزاق عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل الجنة بعده أحد، يفسح له في بصره مسيرة مائة عام، في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ، ليس فيها موضع شبر إلا معمور، يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة من ذهب ليس فيها صحفة إلا فيها لون ليس في الأخرى مثله، شهوته في آخرها كشهوته في أولها، لو نزل به جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أُعْطي، لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً ".

وقوله تعالى: { وَأَنتُمْ فِيهَا } أي في الجنة { خَالِدُونَ } أي لا تخرجون منها ولا تبغون عنها حولاً، ثم قيل لهم على وجه التفضل والامتنان: { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي أعمالكم الصالحة كانت سبباً لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحداً عملُه الجنة ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات.

السابقالتالي
2