الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ }

يقول تعالى: { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } أي البيِّن الواضح الجلي، المنزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات، ولهذا قال تعالى { إِنَّا جَعَلْنَاهُ } أي أنزلناه { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي بلغة العرب، فصيحاً واضحاً { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تفهمونه وتتدبرونه، كما قال عزّ وجلبِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [الشعراء: 195] وقوله تعالى: { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } بيّن شرفه في الملأ الأعلى، ليشرّفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض، فقال تعالى { وَإِنَّهُ } أي القرآن { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } أي اللوح المحفوظ { لَدَيْنَا } أي عندنا { لَعَلِيٌّ } أي ذو مكانة عظيمة، وشرف وفضل { حَكِيمٌ } أي محكم بريء من اللبس والزيغ، وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال تبارك وتعالى:إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 77-79]، وقال تعالى:فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 13-16]، ولهذا استنبط العلماء من هاتين الآيتين، أن المحدث لا يمس المصحف، لأن الملائكة يعظمون المصاحف، المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى، لأنه نزل عليهم، وخطابه متوجه إليهم، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم، لقوله تعالى: { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، وقوله عزّ وجلّ: { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }؟ اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها: أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم، ولم تفعلوا ما أمرتم به، قاله ابن عباس واختاره ابن جرير، وقال قتادة: والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم، ودعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك، وقول قتادة لطيف المعنى جداً، وحاصله أنه يقول في معناه: أنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الحكيم وهو (القرآن) وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل أمر به ليهتدي به من قدّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته، ثم قال جلّ وعلا مسلياً لنبيّه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه: { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } أي في شِيَع الأولين { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي يكذبونه ويسخرون به، { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } أي فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشاً من هؤلاء المكذبين لك يا محمد، كقوله عزّ وجلّ:أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً } [غافر: 82] والآيات في ذلك كثيرة جداً. وقوله جلّ جلاله { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } قال مجاهد: سنتهم، وقال قتادة: عقوبتهم، وقال غيرهما: عبرتهم: أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم، كقوله تعالى:فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } [الزخرف: 56]، وكقوله جلَّت عظمته:سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [غافر: 85]، وقوله:وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 62، الفتح: 23].