الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد، هؤلاء المشركون بالله العابدين معه غيره { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده، وهم مع هذا يعبدون معه غيره، من الأصنام والأنداد، ثم قال تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } أي فراشاً قراراً ثابتة، تسيرون عليها وتقومون وتنامون، مع أنها مخلوقة على تيار الماء، لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد، { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي طرقاً بين الجبال والأودية { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي في سيركم من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر، { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم، وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم، { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } أي أرضاً ميتة، فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ثم نبَّه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها فقال: { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }. ثم قال عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف، من نبات وزروع وثمار وغير ذلك، ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها، وأصنافها، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ } أي السفن { وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } أي ذللها لكم وسخَّرها ويسّرها، لأكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها، ولهذا قال جلّ وعلا { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } أي لتستووا متمكنين مرتفقين { عَلَىٰ ظُهُورِهِ } أي على ظهور هذا الجنس، { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } أي فيما سخر لكم { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي مقاومين، ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. قال ابن عباس: { مُقْرِنِينَ } أي مطيقين، { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أي لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى:وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 197] وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى:وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [الأعراف: 26].

(ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة)

(حديث علي بن أبي طالب): عن علي بن ربيعة قال: " رأيت علياً رضي الله عنه أتي بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله، فلما استوى عليها قال: الحمد لله { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ، ثم حمد الله تعالى ثلاثاً وكبّر ثلاثاً، ثم قال سبحانك لا إلٰه إلا أنت قد ظلمت نفسي، فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت له: مما ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري " ".


السابقالتالي
2