الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الرب جل وعلا، فتارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم وحياً لا يتمارى فيه أنه من الله عزّ وجلّ، كما جاء في " صحيح ابن حبان " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " ، وقوله تعالى: { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } أي كما كلّم موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: " ما كلّم الله أحداً إلا من وراء حجاب وإنه كلَّم أباك كفاحاً " كذا جاء في الحديث، وكان قد قتل يوم أُحُد ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا. وقوله عزّ وجلّ: { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } كما ينزل جبريل عليه الصلاة والسلام وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } فهو علي عليم، خبير حكيم. وقوله عزّ وجلّ: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } يعني القرآن، { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } أي على التفصيل الذي شرع لك في القرآن، { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ } أي القرآن { نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } ، كقوله تعالى:قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [فصلت: 44] الآية، وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ } أي يا محمد { لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو الخلق القويم، ثم فسره بقوله تعالى: { صِرَاطِ ٱللَّهِ } أي شرعه الذي أمر به الله، { ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي ربهما ومالكهما والمتصرف فيهما والحاكم الذي لا معقب لحكمه، { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } أي ترجع الأمور فيفصلها ويحكم فيها، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.