الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره، وهو الخالق لكل شيء، المقتدر على كل شيء { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه، { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم، وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى:خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [الأعراف: 54] ففصل هٰهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولاً لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال عزّ وجلّ:هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [البقرة: 29] الآية، فأما قوله تعالى:أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [النازعات: 27] إلى قوله:وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [النازعات: 30-31]، ففي هذه الآية أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء، فالدحو مفسر بقوله:أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [النازعات: 31] وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: إني لأجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال:فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101]،وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27، الطور: 25]،وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]،وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى:أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [النازعات: 27] - إلى قوله -وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال: تعالى: { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } - إلى قوله - { طَآئِعِينَ } فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء، قال:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]،عَزِيزاً حَكِيماً } [النساء: 56]،سَمِيعاً بَصِيراً } [النساء: 58] فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101] في النفخة الأولى، كما قال تعالى:فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68]، وفي النفخة الأخرىوَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27، الطور: 25]. وأما قوله:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]،وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]، فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً، وعندهيَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [النساء: 42، الحجر: 2] الآية، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله تعالى: { دَحَاهَا } وقوله: { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين،

السابقالتالي
2 3