الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }

يقول تعالى: { قُلْ } يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن { أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ } هذا القرآن { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } أي كيف ترون حالكم عند الذي أنزله على رسوله؟ ولهذا قال عزّ وجلّ: { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }؟ أي في كفر وعناد ومشاقة للحق ومسلك بعيد من الهدى، ثم قال جلّ جلاله: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي سنظهر لهم دلالالتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند الله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية { فِي ٱلآفَاقِ } من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان. قال مجاهد والحسن والسدي: { وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } قالوا: وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك، من الوقائع التي نصر الله فيها محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه، وخذل فيها الباطل وحزبه، ويحتمل أن يكون المراد ما الإنسان مركب منه، من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح، الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى.

وقوله تعالى: { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }؟ أي كفى بالله شهيداً على أفعال عباده وأقوالهم، وهو يشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عنه، كما قال:لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [النساء: 166] الآية. وقوله تعالى: { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } أي في شك من قيام الساعة، ولهذا لا يتفكرون فيه ولا يعملون له وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه، ثم قال تعالى مقرراً أنه على كل شيء قدير { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } أي المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته، وهو المتصرف فيها كلها بحكمه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.