الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } * { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ }

المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان (قبطياً) من آل فرعون، قال السدي: كان ابن عم فرعون، واختاره ابن جرير، ورد قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيلياً، لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه السلام، ولو كان إسرائيلياً لأوشك أن يعاجله بالعقوبة لأنه منهم، قال ابن عباس: لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون، والذي قال:يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [القصص: 20]، وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط، فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون:ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [غافر: 26] فأخذت الرجل غضبة لله عزّ وجلّ، وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، كما ثبت بذلك الحديث، ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون، وهي قوله: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ } ، اللهم إلا ما رواه البخاري في " صحيحه " عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال، قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفِناء الكعبة إذ أقبل (عقبة بن أبي معيط) فأخذ بمنكِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ }؟ وروى ابن أبي حاتم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سئل: " ما أشد ما رأيت قريشاً بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: مَرّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقالوا له: أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال: " أنا ذاك " فقاموا إليه، فأخذوا بمجامع ثيابه، فرأيت أبا بكر رضي الله عنه محتضنه من ورائه، وهو يصيح بأعلى صوته، وإن عينيه ليسيلان وهو يقول: يا قوم: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ }؟ حتى فرغ من الآية كلها " ، وقوله تعالى: { وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ } أي كيف تقتلونه وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق؟ ثم تنزل معهم في المخاطبة فقال: { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ } ، يعني إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به، فمن العقل والرأي والحزم أن تتركوه ونفسه، فلا تؤذوه، فإن يك كاذباً فإن الله سبحانه سيجازيه على كذبه، وإن يك صادقاً وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم، فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والآخرة، فينبغي أن لا تتعرضوا له بل اتركوه وشأنه.

السابقالتالي
2