الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هٰهنا.

وقوله تعالى: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } ، أي تنزيل هذا الكتاب وهو القرآن من الله ذي العزة والعلم فلا يرام جنابه، ولا يخفى عليه الذَّر وإن تكاثف حجابه، وقوله عزّ وجلّ: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } أي يغفر ما سلف من الذنب ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه، وخضع لديه، وقوله جل وعلا { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } أي لمن تمرد وطغى، وآثر الحياة الدنيا، وعتا عن أوامر الله تعالى وبغى، وهذه كقوله:نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [الحجر: 49-50] يقرن هذين الوصفين كثيراً في مواضع متعددة من القرآن ليبقى العبد بين الرجاء والخوف، وقوله تعالى: { ذِي ٱلطَّوْلِ } قال ابن عباس: يعني السعة والغنى، وقال يزيد بن الأصم { ذِي ٱلطَّوْلِ } يعني الخير الكثير، وقال عكرمة: ذي المن، وقال قتادة: ذي النعم والفواضل، والمعنى أنه المتفضل على عباده، المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والإنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها،وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] الآية، وقوله جلت عظمته: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا نظير له في جميع صفاته فلا إلٰه غيره ولا رب سواه، { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع والمآب، فيجازي كل عامل بعمله، وقال أبو بكر بن عياش: جاء رجل إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين إني قتلت فهل لي من توبة؟ فقرأ عمر رضي الله عنه: { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } ، وقال: اعمل ولا تيأس، وعن يزيد بن الأصم قال: كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر فقال: ما فعل فلان ابن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب، قال، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب " من عمر بن الخطّاب إلى فلان ابن فلان: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إلٰه إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إلٰه إلا هو إليه المصير " ، ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ويتوب الله عليه، فلما بلغ الرجل كتاب عمر رضي الله عنه جعل يقرأه ويردّده ويقول: غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع، فلما بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زل زلة فسدّدوه ووثقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه.