الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

يقول تعالى: ليس المؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ، ثم إذا وقع شي من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله، وإنما ذلك إلى الإمام أو نائبه، وقوله: { إِلاَّ خَطَئاً } قالوا: هو استثناء منقطع كقول الشاعر:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ   على الأرض إلا ريط بردٍ مرحّل
واختلف في سبب نزول هذه، فقال مجاهد: نزلت في (عياش بن أبي ربيعة) وذلك أنه قتل رجلاً يعذبه مع أخيه على الإسلام، وهو (الحارث بن يزيد الغامدي) فأسلم ذلك الرجل وهاجر، وعياش لا يشعر، فلما كان يوم الفتح رآه فظن أنه على دينه فحمل عليه فقتله فأنزل الله هذه الآية. قال ابن أسلم: نزلت في أبي الدرداء لأنه قتل رجلاً وقد قال كلمة الإيمان حين رفع عليه السيف فأهوى به إليه، فقال كلمته، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنما قالها متعوذاً، فقال له: هل شققت عن قلبه؟ وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء.

وقوله تعالى: { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } ، هذان واجبان في قتل الخطأ، أحدهما: الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم وأن كان خطأ، ومن شروطها أن تكون عتق { رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } فلا تجزىء الكافرة، وفي موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم: " أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين الله " ، قالت: في السماء، قال: " من أنا " قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " أعتقها فإنها مؤمنة " وقوله: { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل عوضاً لهم عما فاتهم من قتيلهم، وهذه الدية إنما تجب أخماساً كما رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ (عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكوراً، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقة) وإنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله، قال الشافعي رحمه الله: لم أعلم مخالفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة، وهو أكثر من حديث الخاصة، وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال:

السابقالتالي
2 3 4 5