الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } * { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة، وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذا ذاك مناسباً لأسباب كثيرة: منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال، فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه، جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفاً شديداً: { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى فإن فيه سفك الدماء، ويتم الأولاد، وتأَيَّمَ النساء، وهذه الآية كقوله تعالى:وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } [محمد: 20] الآيات. عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمٰن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا يا نبي الله: " كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة قال: " إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم " فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ } الآية. وقال السدي: لم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال، فلما فرض عليهم القتال { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } وهو الموت، قال الله تعالى: { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي آخرة المتقي خير من دنياه { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي من أعمالكم، بل توفونها أتم الجزاء، وهذه تسلية لهم عن الدنيا وترغيب لهم في الآخرة وتحريض لهم على الجهاد، وقال ابن أبي حاتم عن هشام قال: قرأ الحسن { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك وما الدنيا كلها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب، ثم انتبه. وقال ابن معين: كان أبو مصهر ينشد:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له   من اللَّه في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنها   متاع قليل والزوال قريب
وقوله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } أي أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ولا ينجو منه أحد منكم كما قال تعالى:كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [الرحمن: 26] الآية، وقال تعالى:كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ }

السابقالتالي
2 3