الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } * { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه، لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون، ولهذا قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } الآية، قال ابن جرير: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " ، وقال السدي: افتخر (ثابت بن قيس) بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب علينا { أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } لفعلنا، فأنزل الله هذه الآية. قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي: ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به. وتركوا ما ينهون عنه، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } قال السدي: أي وأشد تصديقاً، { وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـآ } أي من عندنا { أَجْراً عَظِيماً } يعني الجنة، { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } أي من عمل بما أمره الله به ورسوله وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عزَّ وجلَّ يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذي صلحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تعالى، فقال: { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } وقال البخاري عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من نبي يمرض إلا خيِّر بين الدنيا والآخرة " ، وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } فعلمت أنه خُيِّر. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: " اللهم الرفيق الأعلى " ثلاثاً ثم قضى، عليه أفضل الصلاة والتسليم.

(ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة)

روى ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا فلان مالي أراك محزوناً "؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه، فقال ما هو؟ قال: نحن نغدو ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً ترفع مع النبيين، فلا نصل إليك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } الآية، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره.

السابقالتالي
2