الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً }

قال الحسن وقتادة نزلت هذه الآية - وهي قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } - في اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وفي قولهم:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111]، وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم، وقال ابن عباس في قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } وذلك أن اليهود قالوا: إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ويشفعون لنا ويزكوننا، فأنزل الله على محمد: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } الآية. وقال الضحاك: قالوا ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب، فأنزل الله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } فيهم، وقيل: نزلت في ذم التمادح والتزكية؛ وفي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب، وفي الصحيحين عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يثني على رجل فقال: " ويحك قطعت عنق صاحبك " ثم قال: " إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل أحسبه كذا ولا يزكي على الله أحداً " ، وروى ابن مردويه عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال إنه مؤمن فهو كافر، ومن قال هو عالم فهو جاهل، ومن قال هو في الجنة فهو في النار، وقال الإمام أحمد عن معبد الجهني قال: كان معاوية قلما كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكان قلما يكاد يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر، فمن يأخذه بحقه يبارك فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح " وقال ابن جرير قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء يلقى الرجل ليس يملك له ضراً ولا نفعاً فيقول له: إنك والله كيت وكيت، فلعله أن يرجع ولم يحظ من حاجته بشيء وقد أسخط الله، ثم قرأ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } الآية ولهذا قال تعالى: { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } أي المرجع في ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها، ثم قال تعالى: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل، قال ابن عباس: هو ما يكون في شق النواة.

وقوله تعالى: { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم:

السابقالتالي
2