الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً }

يأمر الله تعالى أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم، الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات، ومتهدداً لهم إن لم يفعلوا بقوله: { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ }. قال بعضهم: معناه من قبل أن نطمس وجوهاً، فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم، ويحتمل أن يكون المراد من قبل أن نطمس وجوهاً فلا نبقي لها سمعاً ولا بصراً ولا أنفاً، ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار، وقال ابن عباس: طمسها أن تعمى { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } يقول: نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى، ونجعل لأحدهم عينين من قفاه، وهذا أبلغ في العقوبة والنكال، وهذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل، ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم، وهذا كما قال بعضهم في قوله:إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } [يس: 8-9] الآية: أي هذا مثل سوء ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى، قال مجاهد: { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } يقول عن صراط الحق { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } أي في الضلال، قال السدي: { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } فنمنعها عن الحق، قال: نرجعها كفاراً ونردهم قردة. وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية. قال ابن جرير عن عيسى بن المغيرة، قال: تذاكرنا عند ابراهيم إسلام كعب، فقال: أسلم كعب زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمر على المدينة فخرج إليه عمر، فقال: يا كعب أسلم فقال: ألستم تقولون في كتابكم:مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } [الجمعة: 5] إلىأَسْفَاراً } [الجمعة: 5]، وأنا قد حملت التوراة، قال: فتركه عمر، ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلاً من أهلها حزيناً، وهو يقول: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } الآية. قال كعب: يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية، ثم رجع فأتى أهله في اليمن، ثم جاء بهم مسلمين.

وقوله تعالى: { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ } يعني: الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد وقد مسخوا قرده وخنازير، وقوله: { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي: إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف ولا يمانع، ثم أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به ويغفر ما دون ذلك، أي من الذنوب، لمن يشاء: أي من عباده، وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر.

السابقالتالي
2 3