الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } * { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }

قال ابن عباس في الآية يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } ، وإن صبر فهو خير له، وقال الحسن البصري: لا يدع عليه، وليقل: اللهم أعني عليه واستخرج حقي منه، وفي رواية عنه قال: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه، وقال عبد الكريم الجزري في هذه الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه لقوله:وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } [الشورى: 41]، وقال أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المستبان ما قالا فعلى البادىء منهما ما لم يعتد المظلوم " وعن مجاهد { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } قال، قال: هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن. وقد روى الجماعة سوى النسائي والترمذي عن عقبة بن عامر قال، قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا، فما ترى في ذلك؟ " فقال: إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا منهم، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيما مسلم ضاف قوماً فأصبح الضيف محروماً فإن حقاً على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله " تفرد به أحمد.

ومن هذه الأحاديث وأمثالها ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة، ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن لي جاراً يؤذيني، فقال له: " أخرج متاعك فضعه على الطريق " ، فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق، فكل من مر به قال: مالك؟ قال جاري يؤذيني، فيقول: اللهم العنه، اللهم أخزه قال، فقال الرجل: ارجع إلى منزلك والله لا أوذيك أبداً " وقوله: { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } ، أي إن أظهرتم أيها الناس خيراً أو أخفيتموه أو عفوتم عمن أساء إليكم، فإن ذلك مما يقربكم عند الله ويجزل ثوابكم لديه، فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم، ولهذا قال: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } ، ولهذا ورد في الأثر أن حملة العرش يسبحون الله فيقول بعضهم: سبحانك على حلمك بعد علمك، ويقول بعضهم: سبحانك على عفوك بعد قدرتك، وفي الحديث الصحيح: " ما نقص مال من صدقة، ولا زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه ".