ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم، ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى:{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28]. ولهذا قال هٰهنا: { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }؟ أي حجة عليكم في عقوبته إياكم، قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس قوله: { سُلْطَاناً مُّبِيناً } قال: كل سلطان في القرآن حجة، وهذا إسناد صحيح، ثم أخبر تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ، قال ابن عباس: أي في أسفل النار، وقال غيره النار (دركات) كما أن الجنة (درجات) وقال سفيان الثوري { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال: في توابيت تُرْتَج عليهم. وعن أبي هريرة قال { ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ }: بيوت لها أبواب تطبق عليهم فتوقد من تحتهم ومن فوقهم، قال ابن جرير عن عبد الله بن مسعود { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال: في توابيت من نار تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة، { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } أي ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب، ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله، واعتصم بربه في جميع أمره، فقال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } أي بدلوا الرياء بالإخلاص، فينفعهم العمل الصالح وإن قل. قال ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أخلص دينك يكفك القليل من العمل " { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي في زمرتهم يوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } ، ثم قال تعالى مخبراً عن غناه عما سواه وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ }؟ أي أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، { وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } أي من شكر شكر له، ومن آمن قلبه به علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.