الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً }

يقول تعالى مخبراً ومشرعاً من حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة، وتارة في حال اتفاقه معها، وتارة في حال فراقه لها، فالحالة الأولى: ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها، فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه، وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها، ولهذا قال تعالى: { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً }. ثم قال: { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } أي من الفراق، وقوله: { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ }: أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق، ولهذا لما كبرت (سودة بنت زمعة) عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها، فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك. (ذكر الرواية بذلك): عن عكرمة عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: لا تطلقني واجعل يومي لعائشة، ففعل ونزلت هذه الآية: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ } الآية. قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. وفي الصحيحين عن عائشة قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة. وعن عروة عن عائشة، أنها قالت له يا ابن أختي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضاً على بعض في مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي هذا لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة، ففي ذلك أنزل الله: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً }.

وروى ابن جرير عن عائشة: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } قالت: هذا في المرأة تكون عند الرجل، فلعله لا يكون بمستكثر منها، ولا يكون لها ولد، ويكون لها صحبة فتقول: لا تطلقني وأنت في حل من شأني، وفي رواية أخرى عن عائشة: هو الرجل له المرأتان إحداهما قد كبرت والأخرى دميمة وهو لا يستكثر منها فتقول: لا تطلقني وأنت في حل من شأني. وعن ابن سيرين قال: جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب فسأله عن آية فكرهه فضربه بالدرة، فسأله آخر عن هذه الآية: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } ثم قال مثل هذا فاسألوا: ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.

السابقالتالي
2 3