قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة وهي قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ } الآية، وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة وقد روى الترمذي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية. وقوله: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي فقد سلك غير الطريق الحق وضل عن الهدى وبعد عن الصواب وأهلك نفسه، وخسرها في الدنيا والآخرة، وفاتته سعادة الدنيا والآخرة وقوله: { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } ، عن عائشة قالت: أوثاناً، وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية قال المشركون للملائكة: بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، قال: فاتخذوهن أرباباً وصوروهن جواري فحكموا وقلدوا، وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } [النجم: 19] وقال تعالى:{ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } [الزخرف: 19]، وقال:{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [الصافات: 158] وقال ابن عباس { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } قال: يعني موتى، وقال الحسن: الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح، إما خشبة يابسة، وإما حجر يابس، وقوله: { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } أي هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم وهم إنما يعبدون إبليس في نفس الأمر كما قال تعالى:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [يس: 60] الآية، وقال تعالى إخباراً عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الذي ادعوا عبادتهم في الدنيا{ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ: 41] وقوله: { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أي طرده وأبعده من رحمته، وأخرجه من جواره وقال: { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } أي معيناً مقدراً معلوماً، قال قتادة من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة { وَلأُضِلَّنَّهُمْْ } أي عن الحق { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } أي أزين لهم ترك التوبة، وأعدهم الأماني، وآمرهم بالتسويف والتأخير، وأغرهم من أنفسهم. قوله: { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَامِ } قال قتادة: يعني تشقيقها وجعلها سمة، وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } قال ابن عباس: يعني بذلك خصي الدواب، وقال الحسن البصري: يعني بذلك الوشم، وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه، وفي لفظ، لعن الله من فعل ذلك. وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عزَّ وجلَّ، ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عزَّ وجلَّ يعني قوله:{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ }