الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

يقول تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي سافرتم في البلاد كما قال تعالى:وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [المزمل: 20]. وقوله: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ } أي تخففوا فيها إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية، واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر على اختلافهم في ذلك فمن قائل لا بد أن يكون سفر طاعة: من جهاد، أو حج، أو عمرة، أو طلب علم، أو زيادة، أو غير ذلك.

ومن قائل لا يشترط سفر القربة، بل لا بد أن يكون مباحاً لقوله:فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } [المائدة: 3] الآية، كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار بشرط أن لا يكون عاصياً بسفره، وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة، ومن قائل: يكفي مطلق السفر سواء كان مباحاً أو محظوراً حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل ترخص لوجود مطلق السفر وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود لعموم الآية وخالفهم الجمهور، وأما قوله تعالى: { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له كقوله تعالى:وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [النور: 33] وكقوله تعالى:وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ } [النساء: 23].

وقال الإمام أحمد عن يعلى بن أُمية قال: سألت عمر بن الخطاب قلت له قوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } وقد أمن الناس، فقال لي عمر رضي الله عنه: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وعن أبي حنظلة الحذاء قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان، فقلت أين قوله: { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ونحن آمنون، فقال: سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مردويه عن أبي الوداك قال: سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر فقال: هي رخصة نزلت من السماء فإن شئتم فردوها. وقال أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف بينهما ركعتين ركعتين. وقال البخاري عن أنس يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بمكة شيئاً قال: أقمنا بها عشراً.

السابقالتالي
2 3