الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

يقول تعالى: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى:وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43]، وقوله جل وعلا: { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه، ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان، وإنما جعله الله تعالى كذلك، وأنزله بذلك { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد، ثم قال: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ } أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم، { وَرَجُلاً سَلَماً } أي سالماً { لِّرَجُلٍ } أي خالصاً لا يملكه أحد غيره، { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً }؟ أي لا يستوي هذا وهذا، كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له؟ فأين هذا من هذا؟ قال ابن عباس ومجاهد: هذه الآية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص، ولما كان هذا المثل ظاهراً بيناً جلياً قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي على إقامة الحجة عليهم { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي فلهذا يشركون بالله، وقوله تبارك وتعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } أي إنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة، وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدينا من التوحيد والشرك بين يدي الله عزّ وجلّ، فيفصل بينكم، ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين، ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة، فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة. روي " أنه لما نزلت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزبير رضي الله عنه: يا رسول الله! أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى الله عليه وسلم: " نعم " ، قال رضي الله عنه: إن الأمر إذاً لشديد " ، وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: " لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } ، قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال صلى الله عليه وسلم: " نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " قال الزبير رضي الله عنه: والله إن الأمر لشديد "

وفي الحديث: ". أول الخصمين يوم القيامة جاران "

السابقالتالي
2