الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } * { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }

يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب وهو (القرآن العظيم) من عنده تبارك وتعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك كما قال عزّ وجلّ:وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 192]، وقال تعالى:تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42]، وقال ها هنا { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ } أي المنيع الجناب { ٱلْحَكِيمِ } أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده، ولهذا قال تعالى: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له، وقال قتادة { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ }: شهادة أن لا إلٰه إلا الله، ثم أخبر عزّ وجلّ عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام، اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور تنزيلاًَ لذلك منزلة عبادتهم الملائكة، ليشفعوا لهم عند الله تعالى، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به، قال قتادة والسدي: { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهلتيهم: «لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه، وما ملك»، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه، ونهى عنه كما قال تعالى:وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36]، وقال تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]، وأخبر أن الملائكة التي في السماوات، كلهم عبيد خاضعون لله، لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم، يشفعون عندهم بغير إذنهمفَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } [النحل: 74] تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وقوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي يوم القيامة { فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي سيفصل بين الخلائق يوم معادهم، ويجزي كل عامل بعمله، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } أي لا يرشد إلى الهداية، من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه، ثم بيَّن تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى، فقال تبارك وتعالى: { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون، وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عزّ وجلّ:

السابقالتالي
2