الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ }

يقول تعالى مخبراً أنه وهب لداود (سليمان) أي نبياً، كما قال عزّ وجلّ:وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [النمل: 16] أي في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره، فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر، وقوله تعالى: { نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ثناء على سليمان بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عزّ وجلّ، وقوله تعالى: { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } أي إذ عرض على سليمان عليه الصلاة والسلام في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات، قال مجاهد: وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، والجياد السراع، وعن إبراهيم التيمي قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس فعقرها، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت الريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة رضي الله عنها لعب، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما هذا يا عائشة؟ " قالت رضي الله عنها: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما هذا الذي أرى وسطهن "؟ قالت رضي الله عنها: فرس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي عليه؟ قالت رضي الله عنها: جناحان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فرس له جناحان " قالت رضي الله عنها:! أما سمعت أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت له خيل لها أجنحة؟ قالت رضي الله عنها: فضحك صلى الله عليه وسلم حتى رِأيت نواجذه " وقوله تبارك وتعالى: { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } ذكر غير واحد من السلف والمفسرين: أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً، بل نسياناً، كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب؛ وذلك ثابت في " الصحيحين " عن جابر رضي الله عنه قال: " جاء عمر رضي الله عنه يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، ويقول: يا رسول الله، والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله ما صليتها " ، فقال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ نبي الله صلى الله عليه وسلم للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب " ، ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر والغزو والقتال، والأول أقرب، لأنه قال بعده: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } قال الحسن البصري: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعقرت، وقال السدي: ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف، ولهذا عوضه الله عزّ وجلّ ما هو خير منها، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل.