الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

يذكر تعالى عن عبده وسوله (داود) عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد، و(الأيد) القوة في العلم والعمل، قال ابن عباس: الأيد القوة، وقرأ ابن زيد:وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [الذاريات: 47] وقال مجاهد: الأيد، القوة في الطاعة. وقال قتادة: أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة وفقهاً في الإسلام، وقد ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم ثلث الليل، ويصوم نصف الدهر، وهذا ثابت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله عزّ وجلّ صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى " ، وإنه كان (أوَّاباً) وهو الرجَّاع إلى الله عزّ وجلّ في جميع أموره وشؤونه، وقوله تعالى: { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } أي أنه تعالى سخر الجبال تسبّح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار، كما قال عزّ وجلّ:يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } [سبأ: 10] وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجّع بترجيعه، إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء، فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء، ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجّع معه وتسبح تبعاً له.

ولهذا قال عزَّ وجلَّ: { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } أي محبوسة في الهواء { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } أي مطيع يسبح تبعاً له، قال سعيد بن جبير وقتادة { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } أي مطيع، وقوله تعالى: { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } أي جعلنا له ملكاً كاملاً من جميع ما يحتاج إليه الملوك، قال مجاهد: كان أشد أهل الدنيا سلطاناً، وقال السدي: كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف، وقوله جلّ وعلا: { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ } قال مجاهد: يعني الفهم والعقل والفطنة، وعنه: { ٱلْحِكْمَةَ } العدل، وقال قتادة: كتاب الله واتباع ما فيه، وقال السدي: { ٱلْحِكْمَةَ } النبوة، وقوله جلّ جلاله: { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } قال شريح القاضي والشعبي: فصل الخطاب: الشهود والأيمان، وقال قتادة: شاهدان على المدعي أو يمين المدعى عليه، وقال مجاهد والسدي: هو إصابة القضاء وفهم ذلك، وقال مجاهد أيضاً: هو الفصل في الكلام وفي الحكم، وهذا يشمل كل ذلك، وهو المراد واختاره ابن جرير، وعن أبي موسى رضي الله عنه، أول من قال: (أما بعد) داود عليه السلام، وهو فصل الخطاب، وكذا قال الشعبي: فصل الخطاب: أما بعد.