لما ذكر تعالى عن أكثر الأولين أنهم ضلوا عن سبيل النجاة شرع يبين ذلك مفصلاً، فذكر نوحاً عليه الصلاة والسلام وما لقي من قومه من التكذيب، وأنه لم يؤمن منهم إلا القليل مع طول المدة، لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلما طال عليه ذلك واشتد عليه تكذيبهم، وكلما دعاهم ازدادوا نُفْرة{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [القمر: 10]، فغضب الله تعالى لغضبه عليهم، ولهذا قال عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } له، { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } وهو التكذيب والأذى، { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال ابن عباس: لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام، وقال قتادة: الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام، وقد روى الترمذي عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال: سام وحام ويافث، وروى الإمام أحمد، عن سمرة رضي الله عنه " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم " ، وقوله تبارك وتعالى: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } قال ابن عباس: يذكر بخير، وقال مجاهد: يعني لسان صدق للأنبياء كلهم، وقال قتادة والسدي: أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين، قال الضحّاك: السلام والثناء الحسن، وقوله تعالى: { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } مفسر لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن، أنه يسلم عليه في جميع الطوائف والأمم، { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله تعالى، نجعل له لسان صدق يذكر به بعده، ثم قال تعالى: { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المصدقين الموحدين الموقنين، { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } أي أهلكناهم فلم تبق منهم عين تطرف، ولا ذكر ولا عين ولا أثر، ولا يعرفون إلا بهذه الصفة القبيحة.