الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شرابهم واجتماعهم في تنادمهم، ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم، يسعون ويجيئون بكل خير عظيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } قال مجاهد: يعني شيطاناً، وقال ابن عباس: هو الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا، ولا تنافي بين كلام مجاهد وابن عباس رضي الله عنهما، فإن الشيطان يكون من الجن فيوسوس في النفس، ويكون من الإنس، فيقول كلاماً تسمعه الأذنان، وكلاهما يتعاونان، قال الله تعالى:يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112] وكل منهما يوسوس، كما قال الله عزّ وجلّ:مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ * ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ * مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 4ـ6] ولهذا: { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أي أأنت تصدّق بالبعث والنشور، والحساب والجزاء؟ يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد، والكفر والعناد { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ }؟ قال مجاهد والسدي: لمحاسبون، وقال ابن عباس: لمجزيون بأعمالنا، قال تعالى: { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } أي مشرفون، يقول المؤمن لأصحابه وجلسائه من أهل الجنة { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } قال ابن عباس والسدي: يعني في وسط الجحيم، وقال الحسن البصري: في وسط الجحيم كأنه شهاب يتقدم، وقال قتادة: ذكر أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي، وقال كعب الأحبار: في الجنة كوى، إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع فيها فازداد شكراً لله، { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } يقول المؤمن مخاطباً للكافر: والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك، { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } أي ولولا فضل الله عليّ لكنت مثلك في سواء الجحيم، محضر معك في العذاب، ولكنه رحمني فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيدهوَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } [الأعراف: 43]. وقوله تعالى: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }؟ هذا من كلام المؤمن، مغتبطاً نفسه بما أعطاه الله تعالى، من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة، بلا موت فيها ولا عذاب، ولهذا قال عزّ وجلّ: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }. قال الحسن البصري: علموا أن كل نعيم فإن الموت يقطعه، فقالوا: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }؟ قيل: لا، { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }. وقوله جلّ جلاله: { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } قال قتادة هذا من كلام أهل الجنة، وقال ابن جرير: هو من كلام الله تعالى، ومعناه: لمثل هذا النعيم وهذا الفوز فليعمل العاملون في الدنيا ليصيروا إليه في الآخرة.

السابقالتالي
2