الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } * { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ } * { وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } * { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

يقول تعالى منكراً على هؤلاء المشركين في جعلهم لله تعالى البناتسُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } [النحل: 57] أي من الذكور، أي يودون لأنفسهم الجيد،وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [النحل: 58] أي يسوؤه ذلك ولا يختار لنفسه إلا البنين، يقول عزّ وجلّ فكيف نسبوا إلى الله تعالى القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم، ولهذا قال تعالى: { فَٱسْتَفْتِهِمْ } أي سلهم على سبيل الإنكار عليهم { أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ }؟ كقوله عزّ وجلّ:أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [النجم: 21-22]، وقوله تبارك وتعالى: { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } أي كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم كقوله جلّ وعلا:وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } [الزخرف: 19] أي يسألون عن ذلك يوم القيامة، وقوله جلت عظمته: { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ } أي من كذبهم { لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ } أي صدر منه الولد { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ، فذكر الله تعالى عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب: فأولاً جعلوهم (بنات الله) فجعلوا لله ولداً تعالى وتقدس، ثُمَّ حجعلوا ذلك الولد (أنثى) ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم، ثم قال تعالى منكراً عليهم: { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } أي: أي شيء يحمله على أن يختار البنات دون البنين؟ كقوله عزّ وجلّ:أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } [الإسراء: 40]، ولهذا قال تبارك وتعالى: { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }؟ أي ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } أي حجة على ما تقولونه، { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي هاتوا برهاناً على ذلك يكون مستنداً إلى كتاب منزل من السماء، عن الله تعالى أنه اتخذ ما تقولونه فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل، بل لا يجوزه العقل بالكلية. وقوله تعالى: { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } قال مجاهد: قال المشركون: الملائكة بنات الله تعالى، فقال أبو بكر رضي الله عنه: فمن أمهاتهن؟ قالوا: بنات سروات الجن، ولهذا قال تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ } أي الذين نسبوا إليهم ذلك { إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي إن الذين قالوا ذلك { لَمُحْضَرُونَ } في العذاب يوم الحساب، لكذبهم في ذلك وافترائهم وقولهم الباطل بلا علم، قال ابن عباس: زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقوله جلت عظمته: { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد، وعما يصفه به الظالمون الملحدون علواً كبيراً، وقوله تعالى: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } استثنى منهم المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي مرسل، وجعل ابن جرير هذا الاستنثاء من قوله تعالى: { إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ.. إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } وفي هذا الذي قاله نظر، والله سبحانه وتعالى أعلم.