الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره، ردّ إلى الضعف بعد القوة، والعجز بعد النشاط، كما قال تعالى:ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } [الروم: 54]، وقال عزّ وجلّ:وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } [النحل: 70، الحج: 5]، والمراد من هذا ـ والله أعلم ـ الإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عزّ وجلّ: { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ }؟ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثم إلى الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها ولا انتقال منها، ولا محيد عنها وهي الدار الآخرة، وقوله تبارك وتعالى: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } يقول عز وجلّ مخبراً عن نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: أنه ما علمه الشعر { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم، بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه، قال الشعبي: ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن البصري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
(كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً)   
، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما: أشهد أنك رسول الله، يقول تعالى: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ }. وروى الأموي في " مغازيه " أن رسول الله صلى لله عليه وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر، وهو يقول: " نَفَلّق هاما " ، فيقول الصدّيق رضي الله عنه متمماً للبيت:
.... من رجال أعزة   علينا وهم كانوا أعق وأظلما
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى لله عليه وسلم إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود   
وهو في شعر (طرفة بن العبد) في معلقته المشهورة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً   " ويأتيك بالأخبار من لم تزود "
وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ولكن تبعاً لقول أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون:
لا هم لولا أنت ما اهتدينا   ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا   وثبت الأقدام إن لاقينا
إن أولاء قد بغوا علينا   إذا أرادوا فتنة أبينا

السابقالتالي
2