يقول تعالى مخبراً عما يؤول إليه حال الكفار يوم القيامة، من أمره لهم (أن يمتازوا) بمعنى يتميزوا عن المؤمنين في موقفهم، كقوله تعالى:{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28]، وقال عزّ وجلّ:{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [الروم: 14]، وقال:{ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم: 43] أي يصيرون صدعين فرقتين، وقوله تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } هذا تقريع من الله تعالى للكفرة من بني آدم، الذين أطاعوا الشيطان وهو عدوّ لهم مبين، وعصوا الرحٰمن وهو الذي خلقهم ورزقهم، ولهذا قال تعالى: { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان وأمرتكم بعبادتي، وهذا هو الصراط المستقيم، فسلكتم غير ذلك واتبعتم الشيطان فيما أمركم به، ولهذا قال عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } يقال: جبلاً بكسر الجيم وتشديد اللام، والمراد بذلك الخلق الكثير، وقوله تعالى: { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } أي أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به وعدولكم إلى اتباع الشيطان؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم يقول: { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } فيتميز الناس ويجثون، وهي التي يقول الله عزّ وجلّ: { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ".