الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

يقول تعالى: ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة، خلق الليل والنهار، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال تعالى:يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } [الأعراف: 54]، ولهذا قال عزّ وجلّ هٰهنا: { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } أي نصرمه منه فيذهب فيقبل الليل، ولهذا قال تبارك وتعالى: { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } كما جاء في الحديث: " إذا أقبل الليل من هٰهنا وأدبر النهار من هٰهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " هذا هو الظاهر من الآية؛ وقوله جلّ جلاله: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } في معنى قوله: { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا }: قولان: أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات لأنه سقفها، فحينئذٍ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس "؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } " " ، وروى البخاري أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } قال صلى الله عليه وسلم: " مستقرها تحت العرش " " وعنه قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عزّ وجلّ، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها - ثم قرأ - { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } " " والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكوّر وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني، قال قتادة: { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } أي لوقتها ولأجلٍ لا تعدوه، وقيل: المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها، ثم تنتقل في مطلع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها، وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم (والشمس تجري لا مستقر لها) أي لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلاً ونهاراً لا تفتر ولا تقف، كما قال تبارك وتعالى:

السابقالتالي
2