الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } * { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ }

قال ابن مسعود: إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصه من دبره وقال الله له: { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } فدخلها، فهو يرزق فيها قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، وقال مجاهد: قيل لحبيب النجار: ادخل الجنة، وذلك أنه قتل فوجبت له، فلما رأى الثواب { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحاً لا تلقاه غاشاً، لما عاين ما عاين من كرامة الله تعالى: { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة وما هجم عليه، وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله:يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } [يس: 20]، وبعد مماته في قوله: { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } ، وقال سفيان الثوري عن أبي مجلز: { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } بإيماني بربي وتصديقي المرسلين، ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضي الله عنه، فلقد كان حريصاً على هداية قومه. وقال محمد بن إسحاق، عن كعب الأحبار أنه ذكر له (حبيب بن زيد) الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة، حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله، فيقول: لا أسمع، فيقول له مسليمة لعنه الله: أتسمع هذا ولا تسمع ذاك؟ فيقول: نعم، فجعل يقطعه عضواً عضواً كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه، فقال كعب حين قيل له اسمه حبيب، وكان والله صاحب يس اسمه حبيب. وقوله تبارك وتعالى: { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه، غضباً منه تبارك وتعالى عليهم، لأنهم كذبوا رسله وقتلوا وليه، ويذكر عزّ وجلّ أنه ما أنزل عليهم وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك، { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } فأهلك الله تعالى ذلك الملك، وأهلك أهل أنطاكية فبادوا عن وجه الأرض، فلم يبق منهم باقية، وقيل: { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أي وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم، بل نبعث عليهم عذاباً يدمرهم، وقيل: المعنى في قوله تعالى: { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي من رسالة أُخرى إليهم قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } قال ابن جرير: والأول أصح لأن الرسالة لا تسمى جنداً.

السابقالتالي
2