يقول تعالى واضرب يا محمد لقومك الذين كذبوك { مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ }. قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب الأحبار: إنها مدينة أنطاكية، وكان بها ملك يقال له: (أنطيقس) كان يعبد الأصنام، فبعث الله تعالى إليه ثلاثة من الرسل وهم (صادق) و(صدوق) و(شلوم) فكذبهم. وقوله تعالى: { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا } أي بادروهما بالتكذيب، { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي قويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث، { فَقَالُوۤاْ }: أي لأهل تلك القرية { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } أي من ربكم الذي خلقكم يأمركم بعبادته وحده لا شريك له، { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } أي فكيف أوحي إليكم وأنتم بشر ونحن بشر! فلم لا أوحي إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة، وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة، كما أخبر الله تعالى عنهم{ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [التغابن: 6] أي استعجبوا من ذلك وأنكروه، كما قال تعالى:{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94] ولهذا قال هؤلاء: { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } أي أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو كنا كذبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار كقوله تعالى:{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } [العنكبوت: 52]، { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } يقولون: إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، فإذا أطعتم كانت السعادة في الدنيا والأخرى، وإن لم تجيبوا فستعلمون غب ذلك، والله أعلم.