الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

لما ذكر تبارك وتعالى حال السعداء شرع في بيان ما للأشقياء، فقال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } ، كما قال تعالى:لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [طه: 74]، وثبت في " صحيح مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون " ، وقال عزّ وجلّ:وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77] فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحة لهم، ولكن لا سبيل إلى ذلك، قال الله تعالى: { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } ، كما قال عزّ وجلّ:إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } [الزخرف: 74-75]، وقال جلّ وعلا:كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [الإسراء: 97]،فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } [النبأ: 30] ثم قال تعالى: { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } أي هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب الحق، وقوله جلت عظمته: { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي ينادون فيها يجأرون إلى الله عزّ وجلّ بأصواتهم: { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } أي يسألون الرجعة إلى الدنيا ليعملوا غير عملهم الأول، وقد علم الرب جل جلاله أنه لو ردهم إلى الدار الدنيالَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الأنعام: 28] فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم، ولذا قال هٰهنا: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ }؟ أي أو ما عشتم في الدنيا أعماراً، لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟ وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد هٰهنا، فروي أنه مقدار سبع عشرة سنة، وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر، قد نزلت هذه الآية: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة، وقال وهب بن منبه { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } قال: عشرين سنة، وقال الحسن: أربعين سنة، وقال مسروق: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله عزّ وجلّ. وروى ابن جرير عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: العمر الذي أعذر الله تعالى لابن آدم { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } أربعون سنة، وهذا هو اختيار ابن جرير، ثم روي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } ستون سنة، فهذه الرواية أصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضاً، لما ثبت في ذلك من الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2