الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }

يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإحسانه، إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم، عام تألبوا عليهم وتحزبوا، وذلك عام الخندق، وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بني النضير، الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر، منهم (سلام بن أبي الحقيق) و(سلام بن مشكم) و(كنانة بن الربيع) خرجوا إلى مكة، فاجتمعوا بأشراف قريش، وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة، فأجابوهم إلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً، وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدهم (أبو سفيان) صخر بن حرب، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق، وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر، وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة، كما قال الله تعالى: { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين وهم نحو من ثلاثة آلاف، فأسندوا ظهورهم إلى سلع ووجوههم نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم، يحجب الخيالة والرجالة أن تصل إليهم وجعل النساء والذراري في آطام المدينة، وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل، فذهب إليهم (حيي بن أخطب) فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد، ومالأوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم الخطب واشتد الأمر، وضاق الحال، كما قال الله تبارك وتعالى:هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } [الأحزاب: 11] ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من شهر، إلاّ أنهم لا يصلون إليهم، ولم يقع بينهم قتال، ثم أرسل الله عزَّ وجلَّ على الأحزاب ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم يبقى لهم خيمة ولا شيء، ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين، كما قال الله عزَّ وجلَّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً } قال مجاهد: وهي الصَّبا: ويؤيده الحديث الشريف: " نصرت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدبور ".

وقوله تعالى: { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف، فكان رئيس كل قبيلة يقول: يا بني فلان إليّ فيجتمعون إليه فيقول: النجاء لما ألقى الله عزَّ وجلَّ في قلوبهم من الرعب، روى مسلم في " صحيحه " عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له رجل:

السابقالتالي
2 3