الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر، لتجري فيه الفلك بأمره، أي بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت، ولهذا قال: { لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ } أي من قدرته { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي صبار في الضراء، شكور في الرخاء، ثم قال تعالى: { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ } أي كالجبال والغمام { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } ، كما قال تعالى:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67]، وقال تعالى:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ } [العنكبوت: 65] الآية، ثم قال تعالى: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } قال مجاهد: أي كافر، كأنه فسر المقتصد هٰهنا بالجاحد، كما قال تعالى:فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت: 65] وقال ابن زيد، هو المتوسط في العمل، وهذا الذي قاله ابن زيد في المراد في قوله تعالى:فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [فاطر: 32] الآية، فالمقتصد هٰهنا هو المتوسط في العمل، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال، والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر؛ ثم بعدما أنعم الله عليه بالخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصراً والله أعلم، وقوله تعالى: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } الختار: هو الغدّار، قاله مجاهد والحسن وهو الذي كلما عاهد نقض عهده، والختر أتم الغدر وأبلغه. قال عمر بن معد يكرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير   ملأت يديك من غدر وختر
وقوله { كَفُورٍ } أي جحود للنعم لا يشكرها بل يتناساها ولا يذكرها.