الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس أي لعموم الناس، لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه، ومنهجه، ويحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله، ولهذا قال تعالى: { مُبَارَكاً } أي وضع مباركاً { وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: " المسجد الحرام " ، قلت: ثم أيّ؟ قال: " المسجد الأقصى " ، قلت: كما بينهما؟ قال: " أربعون سنة " ، قلت: ثم أي؟ قال: " ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد " وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } ، قال: كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله. وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض، مطلقاً، والصحيح قول علي رضي الله عنه.

وقوله تعالى: { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } بكة من أسماء مكة على المشهور، قيل: سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها، وقيل: لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون، قال قتادة: إن الله بَكَّ به الناس جميعاً، فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها، وقال شعبة عن إبراهيم: بكة البيت والمسجد، وقال عكرمة: البيت وما حوله بكة، وما وراء ذلك مكة، وقال مقاتل بن حيان: بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة. وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة (مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، وأم القرى، والقادس لأنها تطهر من الذنوب، والمقدسة، والحاطمة، والرأس، والبلدة، والبنية، والكعبة).

وقوله تعالى: { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ } أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم، وأن الله عظمه وشرفه، ثم قال تعالى: { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وقد كان ملتصقاً بجدار البيت حتى أخَّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف، لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال:وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة: 125]، وقد قدمنا الأحاديث في ذلك فأغنى عن إعادته هٰهنا ولله الحمد والمنة، وقال ابن عباس في قوله: { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } أي فمنهم مقام إبراهيم والمشاعر، وقال مجاهد: أثر قدميه في المقام آية بينة، وقال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة:
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة   على قدميه حافيـاً غير ناعـل

السابقالتالي
2 3 4