يخبر تعالى عن اليهود بأن منهم الخونة، ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم، فإن منهم { مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ } أي من المال { يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } أي وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليك، { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } أي بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار، فما فوقه أولى أن لا يؤديه إليك. وقوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } أي إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأمين (وهم العرب) فإن الله قد أحلها لنا، قال الله تعالى: { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوها بهذه الضلالة، فإن الله حرّم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بُهت. عن أبي صعصعة بن يزيد أن رجلاً سأل ابن عباس، فقال: إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، قال ابن عباس: فتقولون ماذا؟ قال: نقول: ليس علينا بذلك بأس، قال: هذا كما قال أهل الكتاب: { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } ، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم. وعن سعيد بن جبير قال: لما قال أهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " كذب أعداء الله؛ ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدميَّ هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر ". ثم قال تعالى: { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى } أي لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب. اتقى محارم الله واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم { فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }.