الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } ، أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين، ولهذا قال تعالى: { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ، ثم قال تعالى: { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم، { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم وهدى لقلوبكم وموعظة أي زاجر عن المحارم والمآثم، ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين: { وَلاَ تَهِنُوا } أي لا تضعفوا بسبب ما جرى، { وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون، { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } أي إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح، { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي نديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة، ولهذا قال تعالى: { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال ابن عباس: في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب، وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به.

وقوله تعالى: { وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } أي فإنهم إذا ظفروا بغواً وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم، ثم قال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } ، أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد، كما قال تعالى في سورة البقرة:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ } [الآية: 214]. وقال تعالى:الۤـمۤ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 1-2] الآية، ولهذا قال هٰهنا: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء.

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو، وتحترقون عليه وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه فدونكم فقاتلوا وصابروا، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ، ولهذا قال تعالى: { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } يعني الموت شاهدتموه وقت حد الأسنة واشتباك الرماح، وصفوف الرجال للقتال، والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس، كما تتخيل الشاة صداقة الكبش، وعداوة الذئب.