الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اختلف المفسرون في هذا الوعد: هل كان يوم بدر أو يوم أُحُد؟ على قولين: أحدهما: إن قوله: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } متعلق بقوله:وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } [آل عمران: 123] واختاره ابن جرير. قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ } ، قال: هذا يوم بدر. وقال الربيع بن أنَس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف، فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر:إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [الأنفال: 9] - إلى قوله -إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 10]؟ فالجواب أن التنصيص على الألف هٰهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله: { مُرْدِفِينَ } بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر، والله أعلم.

(القول الثاني): إن هذا الوعد متعلق بقوله:وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [آل عمران: 121] وذلك يوم أُحُد، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك، لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف لأن المسلمين فروا يومئذٍ. وقوله تعالى: { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } يعني تصبروا على مصابرة عدوكم، وتتقوني وتطيعوا أمري، وقوله تعالى: { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } ، قال الحسن وقتادة: أي من وجههم هذا، وقال مجاهد وعكرمة: أي من غضبهم هذا. وقال ابن عباس: من سفرهم هذا، ويقال: من غضبهم هذا، وقوله تعالى: { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } أي معلمين بالسيما. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض، وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الآية { مُسَوِّمِينَ } قال: بالعهن الأحمر، وقال ابن عباس رضي الله عنه: أتت الملائكة محمداً صلى الله عليه وسلم مسوّمين بالصوف فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف، وقال قتادة وعكرمة: { مُسَوِّمِينَ } أي بسيما القتال. وعن ابن عباس قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون. وقوله تعالى: { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } أي وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً، وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال:

السابقالتالي
2