الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

يخبر تعالى عن الكفّار بأنهم وقود النار:يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [غافر: 52]، وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، كما قال تعالى:فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة: 55].

وقال تعالى:لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [آل عمران: 196]، وقال هٰهنا: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بآيات الله، وكذبوا رسله، وخالفوا كتابه، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه: { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } أي حطبها الذي تسجر به وتوقد به كقوله:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] الآية. وعن أم الفضل: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة، فقال: " هل بلغت "؟ يقولها ثلاثاً، فقام عمر بن الخطاب - وكان أوَّاهاً - فقال: اللهم نعم، وحرصت وجهدت، ونصحت فاصبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه، وليخوضن رجال البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يقرؤون القرآن فيقرؤونه ويعلمونه، فيقولون: قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذي هو خير منا؟ فما في أولئك من خير ". قالوا: يا رسول الله فمن أولئك؟ قال: " أولئك منكم، أولئك هم وقود النار " ".

وقوله تعالى: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } ، قال ابن عباس: كصنيع آل فرعون، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد والضحَّاك وغير واحد، ومنهم من يقول: كسنة آل فرعون، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون، والألفاظ متقاربة والدَّأب - بالتسكين والتحريك أيضاً كَنَهر ونَهْر - وهو الصنيع والحال والشأن والأمر والعادة، كما يقال: لا يزال هذا دأبي ودأبك، وقال امرؤ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها   وجارتها أم الرباب بمأسل
والمعنى: كعادتك في أم الحويرث حين أهلكتَ نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها! والمعنى في الآية: إنَّ الكافرين لا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد، بل يهلكون ويعذبون، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به من آيات الله وحججه: { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي شديد الأخذ، أليم العذاب، لا يمتنع منه أحد، ولا يفوته شيء، بل هو الفعال لما يريد الذي قد غلب كل شيء، لا إلٰه غيره ولا رب سواه.