الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

يقول تعالى مخبراً عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم، ودفعهم الحق بالباطل، إنهم ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } ، وذلك لأنهم قام عليهم البرهان وتوجهت عليهم الحجة، فعدلوا إلى استعمال جاههم وقوة ملكهم،قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 97] وذلك أنهم حشدوا في جمع أحطاب عظيمة مدة طويلة، ثم أضرموا فيها النار، ثم عمدوا إلى إبراهيم فكتفوه وألقوه في كفة المنجنيق، ثم قذفوه فيها فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وخرج منها سالماً بعدما مكث فيها أياماً، ولهذا وأمثاله جعله الله للناس إماماً، فإنه بذل نفسه للرحمن، وجسده للنيران، ولهذا اجتمع على محبته جميع أهل الأديان، وقوله تعالى: { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّار } أي سلمه منه بأن جعلها عليه برداً وسلاماً، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، يقول لقومه مقرعاً لهم وموبخاً على سوء صنيعهم في عبادتهم للأوثان، إنما اتخذتم هذه لتجتمعوا على عباداتها في الدنيا صداقة وألفة منكم { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } ينعكس هذا الحال فتبقى هذه الصداقة والمودة بغضاً وشنآناً، ثم { يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } أي تتجاحدون ما كان بينكم، { وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي يلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع،كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38]، وقال تعالى:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67]، وقال هٰهنا: { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } الآية، أي ومصيركم ومرجعكم بعد عرصات القيامة إلى النار، وما لكم من ناصر ينصركم، ولا منقذ ينقذكم من عذاب الله.