الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

يقول تعالى آمراً رسوله صلوات الله وسلامه عليه ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس، ومخبراً له بأنه سيرده إلى معاد وهو يوم القيامة فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة، ولهذا قال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } أي افترض عليك أداءه إلى الناس { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } أي إلى يوم القيامة فيسألك عن ذلك، كما قال تعالىفَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6]، وقال تعالى:يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } [المائدة: 109] وقال:وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } [الزمر: 69]، وقال ابن عباس: { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } يقول: لرادك إلى الجنة ثم سائلك عن القرآن، وقال مجاهد: يحييك يوم القيامة، وقال الحسن البصري: إي الله إن له لمعاداً فيبعثه الله يوم القيامة ثم يدخله الجنة. وقد روي عن ابن عباس غير ذلك كما قال البخاري في التفسير عن ابن عباس { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال: إلى مكة. وهكذا رواه العوفي عن ابن عباس { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } أي لرادك إلى مكة كما أخرجك منها، وقال محمد بن إسحاق عن مجاهد في قوله { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ }: إلى مولدك بمكة، وعن الضحاك قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة، فأنزل الله عليه: { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } إلى مكة، وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن كان مجموع السورة مكياً، والله أعلم.

ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم، كما فسر ابن عباس سورةإِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1] أنه أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه، ولهذا فسر ابن عباس تارة أخرى قوله: { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } بالموت، وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت، وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله، وإبلاغها إلى الثقلين الإنس والجن، ولأنه أكمل خلق الله وأفصح خلق الله وأشرف خلق الله على الإطلاق، وقوله تعالى: { قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي قل لمن خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين ومن تبعهم على كفرهم قل: ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني، وستعلمون لمن تكون له عاقبة الدار ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى مذكراً لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم: { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ } أي ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك، { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي إنما أنزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً } أي معيناً { لِّلْكَافِرِينَ } ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم، { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } أي لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك، فإن الله معلٍ كلمتك، ومؤيد دينك، ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان، ولهذا قال: { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي إلى عبادة ربك وحده لا شريك له { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }.

السابقالتالي
2