الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلماً لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيب إلاّ الله. وقوله تعالى: { إِلاَّ ٱللَّهُ } استثناء منقطع أي لا يعلم أحد ذلك إلاّ الله عزَّ وجلَّ، كما قال تعالى:وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 59] الآية، وقال تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } [لقمان: 34] إلى آخر السورة، والآيات في هذا كثيرة. وقوله تعالى: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي وما يشعر الخلائق الساكنون في السماوات والأرض بوقت الساعة، كما قال تعالى:ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } [الأعراف: 187] أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقالت عائشة رضي الله عنها: من زعم أنه يعلم - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، لأن الله تعالى يقول: { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } ، وقال قتادة: إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوماً للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به، وإن أناساً جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة: من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا. ولعمري ما من نجم إلاّ يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم، وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب، وقضى الله تعالى أنه { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }.

وقوله تعالى: { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا } أي انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها. قال ابن عباس { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ } أي غاب، وقال قتادة: { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } يعني بجهلهم بربهم، يقول: لم ينفذ لهم علم في الآخرة، هذا قول، وقال ابن جريج عن ابن عباس { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } حين لم ينفع العلم، وبه قال عطاء والسدي: أن علمهم إنما يدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك، كما قال تعالى:أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [مريم: 38]، وكان الحسن يقرأ { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ } قال: اضمحل علمهم في الدنيا حين عاينوا الآخرة، وقوله تعالى: { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا } عائد على الجنس والمراد الكافرون، كما قال قال تعالى:بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } [الكهف: 48] أي الكافرون منكم، وهكذا قال هٰهنا: { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا } أي شاكون في وجودها ووقوعها، { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } أي في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها.