الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكراً له ما كان من أمر موسى عليه السلام، كيف اصطفاه الله وكلمه وناجاه، وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة، وابتعثه إلى فرعون وملئه فجحدوا بها وكفروا، فقال تعالى: { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } أي اذكر حين سار موسى بأهله فأضل الطريق وذلك في ليل وظلام، فآنس من جانب الطور ناراً، أي رأى ناراً تأجج وتضطرم، فقال: { لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } أي عن الطريق، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي تستدفئون به وكان كما قال فإنه رجع منها بخبر عظيم، واقتبس منها نوراً عظيماً، ولهذا قال تعالى: { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي فلما أتاها ورأى منظراً هائلاً عظيماً، حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلاّ توقداً، ولا تزداد الشجرة إلاّ خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء، قال ابن عباس وغيره: لم تكن ناراً وإنما كانت نوراً يتوهج، وفي رواية عنه نور رب العالمين، فوقف موسى متعجباً مما رأى { نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } قال ابن عباس: تقدس { وَمَنْ حَوْلَهَا } أي من الملائكة، روى ابن أبي حاتم عن أبي موسى رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل " ، زاد المسعودي: " وحجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } ، وقوله تعالى: { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي الذي يفعل ما يشاء ولا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته، وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات، ولا يكتنفه الأرض والسماوات، بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.

وقوله تعالى: { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه، العزيز الذي عزَّ كل شيء وقهره وغلبه، الحكيم في أقواله وأفعاله، ثم أمره أن يلقي عصاه من يده، ليظهر له دليلاً واضحاً على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء، فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة، في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك، ولهذا قال تعالى: { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطراباً، فلما عاين موسى ذلك { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي لم يلتفت من شدة فرقه { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي لا تخف مما ترى فإني أريد أن أصطفيك رسولاً، وأجعلك نبياً وجيهاً، وقوله تعالى: { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذا استثناء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر، وذلك أن من كان على عمل سيء، ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فإن الله يتوب عليه، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2