الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } * { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } * { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

وهذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يؤتيه ربه حكماً، قال ابن عباس: وهو العلم، وقال عكرمة: هو اللب، وقال مجاهد: هو القرآن، وقال السدي: هو النبوة، وقوله: { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار: " اللهم في الرفيق الأعلى " ، قالها ثلاثاً. وفي الحديث: " اللهم أحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مبدلين " ، وقوله: { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به ويقتدى بي في الخير، كما قال تعالى:وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [الصافات: 108-110]. قال مجاهد وقتادة: يعني الثناء الحسن، قال ليث ابن أبي سليم: كل ملة تحبه وتتولاه، وقوله تعالى: { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } أي أنعم علي في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي، وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم، وقوله: { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ } الآية، كقوله:رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } [إبراهيم: 41] وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى:وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } [التوبة: 114] إلى قولهإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114]، وقوله: { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } أي أجرني من الخزي يوم القيامة، ويوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يلقى إبراهيم يوم القيامة أباه عليه الغبرة والقترة ".

وفي رواية أخرى: " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين؛ ثم يقول: يا إبراهيم انظر تحت رجلك فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " وقوله: { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهباً { وَلاَ بَنُونَ } أي ولو افتدى بمن على الأرض جميعاً ولا ينفع يومئذٍ إلاّ الإيمان بالله، وإخلاص الدين له، ولهذا قال: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } أي سالم من الدنس والشرك، قال ابن سيرين: القلب السليم أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وقال ابن عباس: القلب السليم أن يشهد أن لا إلٰه إلاّ لله، وقال مجاهد والحسن: { بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } يعني من الشرك، وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله تعالى:فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [البقرة: 10] قال أبو عثمان النيسابوري: هو القلب السالم من البدعة المطمئن إلى السنّة.