الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

وهذا أيضاً من قدرته التامة وسلطانه العظيم، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات، أي بمجيء السحاب بعدها والرياح أنواع، فمنها ما يثير السحاب، ومنها ما يحمله، ومنها ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشراً، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، ولهذا قال تعالى: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } أي آلة يتطهر بها كالسحور. فهذا أصح ما يقال في ذلك، وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن خالد بن يزيد قال: كنا عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء، ومنه ما يسوقه الغيم من البحر فيذبه الرعد والبرق؛ فأما ما كان من البحر فلا يكون منه نبات فأما النبات فمما كان من السماء؛ وروي عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلاّ أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة. وقال غيره: في البر بُرٌّ، وفي البحر دُرٌّ. وقوله تعالى: { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } أي أرضاً قد طال انتظارها للغيث فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء، فلما جاءها الحياء عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان، كما قال تعالى:فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [فصلت: 39] الآية، { وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } أي وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم، كما قال تعالى:فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } [الروم: 50] الآية.

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى، فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقاً والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة. قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: ليس عام بأكثر مطراً من عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }: أي ليذكروا بإحياء، الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات، أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه فيقلع عما هو فيه. وقوله: { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } قال عكرمة: يعني الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وفي " صحيح مسلم " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوما على أثر سماء أصابتهم من الليل: " " أتدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، " قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " ".