الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }

يقول تعالى مخبراً عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم، فإن الله تعالى جعل لهم من السمات الحسنة، والصفات الجميلة، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والخوارق الباهرة، ما يستدل به كل ذي لب سليم على صدق ما جاءوا به من الله، ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى:وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } [الأنبياء: 8] الآية، وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ }؟ أي اختبرنا بعضكم ببعض، وبلونا بعضكم ببعض لنعلم من يطيع ممن يعصي، ولهذا قال { أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } أي بمن يستحق أن يوحى إليه، كما قال تعالى:ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] ومن يستحق أن يهديه الله ومن لا يستحق ذلك، وقال محمد بن إسحاق في قوله: { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ }؟ قال: يقول الله: لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت، ولكني قد أردت أن أبتلي العباد بهم وأبتليكم بهم، وفي " صحيح مسلم ": " يقول الله تعالى إني مبتليك ومبتل بك " ، وفي الصحيح أنه عليه أفضل الصلاة والسلام خيِّر بين أن يكون نبياً ملكاً أو عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً.