يقول الله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي لولا هذا لكان أمر آخر، ولكنه تعالى رؤوف بعباده رحيم بهم، فتاب على من تاب إليه من هذه القضية، وطهر من طهر منهم بالحد الذي أقيم عليهم، ثم قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } يعني طرائقه ومسالكه وما يأمر به، { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } ، هذا تنفير وتحذير من ذلك بأفصح عبارة وأبلغها وأوجزها وأحسنها. قال ابن عباس { خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ }: عمله، وقال عكرمة: نزعاته، وقال قتادة: كل معصية فيه من خطوات الشيطان، وسأل رجل ابن مسعود فقال: إني حرمت أن آكل طعاماً وسماه، فقال: هذا من نزغات الشيطان، كفّر عن يمينك وكل. وقال الشعبي في رجل نذر ذبح ولده: هذا من نزغات الشيطان وأفتاه أن يذبح كبشاً. وعن أبي رافع قال: غضبت على امرأتي فقالت: هي يوماً يهودية ويوماً نصرانية وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك، فأتيت عبد الله بن عمر فقال: إنما هذه من نزغات الشيطان. ثم قال تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } أي لولا أن الله يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه، ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودنسها، وما فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه، لما حصّل أحد لنفسه زكاة ولا خيراً، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } أي من خلقه ويضل من يشاء ويرديه في مهالك الضلال والغي، وقوله: { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } أي سميع لأقوال عباده، { عَلِيمٌ } بمن يستحق منهم الهدى والضلال.